أصول الفقه للقاضى أبى بكر بن العربى
أصول الفقه للقاضى أبى بكر بن العربى
القول في أصول الفقه
أما الفقه فهو معرفة الأحكام الشرعية
وأما أصوله فهي أدلته
وقد قيل معرفة أحكام أفعال المكلفين الشرعية دون العقلية وهي تكملة للأول وقريب منه
فأما الدليل فهو الموصل بصحيح النظر إلى المدلول
وأفعال المكلفين هي حركاتهم التي يتعلق بها التكاليف من الأوامر والنواهي وهي على خمسة
أضرب
واجب وفي مقابلته محظور
ومندوب وفي مقابلته مكروه
وواسطة بينهما وهو المباح
واختلف فيه هل هو من الشرع أم لا على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى
فأما الواجب فقال بعض علمائنا هو الذي في فعله ثواب وفي تركه عقاب وزاد بعضهم من حيث هو ترك له
والمحظور عكسه وهو الذي في فعله عقاب وفي تركه ثواب
والمندوب هو الذي في فعله ثواب وليس في تركه عقاب
والمكروه هو الذي في تركه ثواب وليس في فعله عقاب
والمباح هو الذي يستوي تركه وفعله وكذلك قيل في هذه الحدود كلها من حيث هو ترك له
وهذه الحدود كلها باطلة
والصحيح
أن الواجب هو الذي يذم تاركه والمحظور هو الذي يذم فاعله والمندوب هو الذي يحمد فاعله ولا يذم تاركه والمكروه عكسه والمباح هو ما ليس له متعلق في الشرع على قول وقيل ما وقع عليه العفو ما أذن فيه
وتحقيق ذلك وبيانه يأتي إن شاء الله تعالى
والأحكام ليست من التكليف ولا من صفات الأفعال وإنما الحكم هو قول الله سبحانه ودليله الذي نصبه علما على الفعل أو التكليف وهذه الكلمة التي صدرنا بها هي على رسم الحدود
فأما الحد فاختلف العلماء فيه على قولين
فمنهم من يجعله القول المفسر ومنهم من يجعله حقيقة الشيء وخاصيته التي تتميز بها من عن غيره
فأما الحكم فليس بصفة للأفعال وإنما هو عبارة عن خطاب الله فيها كما أن النبوة ليست بصفة للنبي وإنما هي عبارة عن مطالعة الله تعالى له بالغيب واتخاذه واسطة بينه وبين خلقه
وأما المكلف وهو البالغ المتدارك العقل
والبلوغ يكون بوجهين أحدهما السن والثاني الاحتلام وهذا يبين في بابه من فروع الفقه إن شاء الله تعالى
وأما المتدارك العقل فهو المميز الذي لا يطرقه في عقله خلل من ضد يطرأ عليه خلا الذهول والنسيان
فأما العقل فقد اختلف الناس فيه واضطربوا فيه اضطرابا شديداً والصحيح إنه العلم وهو مذهب شيخنا أبي الحسن رضي الله عنه فرق عنده بين قولنا عقلت الشيء وبين قولنا علمت وذلك مستقصى في الحدود إن شاء الله تعالى
وأما العلم فقد تباين الناس فيه مع إنه أصل كل قول ومنتهى كل مطلب وقيدنا فيه عشرين عبارة أمثلها قول القاضي رحمه الله معرفة المعلوم على ما هو به وهذا لفظ يأباه النحاة لأن المعرفة عندهم خلاف العلم إذ المعرفة عندهم علم واحد والعلم لا يكون إلا معرفتين وهذا المعنى يستقصى في الحدود إن شاء الله
والصحيح أن العلم لا يقتنص بشبكة الحد وإنما يتوصل إليه على سبيل الرسم المقرب للمعنى
والتكليف هو إلزم المكلف ما في فعله كلفة وهي النصب والمشقة ومسائلة كثيرة ومتعلقاته طويلة وجماع أصولها خمس
مسائل
المسألة الأولى
في تكليف ما لا يطاق
وقد اختلف الناس فيه واختلف فيه علماؤنا كاختلافهم فمنهم من منعه ومنهم من جوزه
واحتج علماؤنا على ذلك بقول الله تعالى ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به ولولا حسن وقوعه ما سألوا دفعه
والصحيح أن تكليف ما لا يطاق جائز عقلا واقع شرعا فإن الله تعالى كلف العباد العبادات والوظائف كلها قبل أن يقدروا عليها لأن القدرة مع الفعل
فأما تكليف المحال فلا يجوز عقلا لكن إذا وردت به الصيغة شرعا حمل على التكوين والتعجيز كقوله تعالى كونوا حجارة أو حديداً وكقوله تعالى كونوا قردة خسئين
0 comments:
Post a Comment