الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي
كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي
أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال الحكم في قتال المشركين حكمان فمن غزا منهم أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم إذا قوى عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله عز وجل فإذا انسلخ الأشهر الحرم الآيتين ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتيى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله عز وجل قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية وإذا قوتل أهل الأوثان وأهل الكتاب قتلوا وسبيت ذراريهم ومن لم يبلغ الحلم والمحيض منهم ونساؤهم البوالغ وغير البوالغ ثم كانوا جميعا فيئا يرفع منهم الخمس ويقسم الأربعة الأربعة الأخماس على من أوجف عليهم بالخيل والركاب فإن أثخنوا فيهم وقهروا من قاتلوه منهم حتى تغلبوا على بلادهم قسمت الدور والأرضون قسم الدنانير والدراهم لا يختلف ذلك تخمس وتكون أربعة أخماسها لمن حضر وإذا أسر البالغون من الرجال فالإمام فيهم بالخيار بين أن يقتلهم إن لم يسلم أهل الأوثان أو يعط الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال يأخذه منهم أو بأسرى من المسلمين يطلقون لهم أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة يخمس ويكون أربعة أخماسه لأهل الغنيمة فإن قال قائل كيف حكمت في المال والولدان والنساء حكما واحدا وحكمت في الرجال أحكاما متفرقة قيل ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم عقارهما من الأرضين والنخل قسمة الأموال وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسهم قسمة الأموال وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم من من عليه بلا شيء أخذه منه ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وكان من الممنون عليم بلا فدية أبو عزة الجمحي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه عهدا أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره فقال يا محمد امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين فأمر به فضربت عنقه ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة ابن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال فأسلم وحسن إسلامهأخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلا من المسلمين برجلين من المشركين قال الشافعي رحمه الله تعالى ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يعمد قتل النساء والولدان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلهم أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب ابن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال الشافعي لا يعمدون بقتل وللمسلمين أن يشنوا عليهم الغارة ليلا ونهارا فإن أصابوا من النساء والولدان أحدا لم يكن فيه عقل ولا قود ولا كفارة فإن قال قائل ما دل على هذا قيل أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الصعب بن جثامة الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم وربما قال سفيان في الحديث هم من آبائهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل قول النبي صلى الله عليه وسلم هم من آبائهم قيل لا عقل ولا قود ولا كفارة فإن قال فلم لا يعمدون بالقتل قيل لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمدوا به فإن قال فلعل الحديثين مختلفان قيل لا ولكن معناهما ما وصفت فإن قال ما دل على ما قلت قيل له إن شاء الله تعالى إذا لم ينه عن الإغارة ليلا فالعلم يحيط أن القتل قد يقع على الولدان وعلى النساء فإن قال فهل أغار على قوم ببلد غارين ليلا أو نهارا قيل نعم أخبرنا عمر ابن حبيب عن عبدالله بن عون أن نافعا مولى ابن عمر كتب إليه يخبره أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبى الذرية قال الشافعي رحمه الله تعالى وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل ابن أبي الحقيق غارا دلالة على أن الغار يقتل وكذلك أمر بقتل كعب بن الأشرف فقتل غارا فإن قال قائل فقد قال أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بقوم ليلا لم يغر حتى يصبح قيل له إذا كان موجودا في سنته أنه أمر بما وصفنا من قتل الغارين وأغار على الغارين ولم ينه في حديث الصعب عن البيات دل ذلك على أن حديث أنس غير مخالف لهذه الأحاديث ولكنه قد يترك الغارة ليلا لأن يعرف الرجل من يقاتل أو أن لا يقتل الناس بعضهم بعضا وهم يظنون أنهم من المشركين فلا يقتلون بين الحصن ولا في الآكام حيث لا يبصرون من قبلهم لا على معنى أنه حرم ذلك وفيما وصفنا من هذا كله ما يدل على أن الدعاء للمشركين إلى الإسلام أو إلى الجزية إنما هو واجب لمن تبلغه الدعوة فأما من بلغته الدعوة فللمسلمين قتله قبل أن يدعى وإن دعوه فذلك لهم من قبل أنهم إذا كان لهم ترك قتاله بمدة تطول فترك قتاله إلى أن يدعي أقرب فأما من لم تبلغه دعوة المسلمين فلا يجوز أن يقاتلوا حتى يدعوا إلى الإيمان إن كانوا من غير أهل الكتاب أو إلى الإيمان أو إعطاء الجزية إن كانوا من أهل الكتاب ولا أعلم أحدا لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون من وراء عدونا الذين يقاتلون أمة من المشركين فلعل أولئك أن لا تكون الدعوة بلغتهم وذلك مثل أن يكونوا خلف الروم أو الترك أو الخزر أمة لا نعرفهم فإن قتل أحد من المسلمين أحدا من المشركين لن تبلغه الدعوة وداه إن كان نصرانيا أو يهوديا دية نصراني أو يهودي وإن كان وثنيا أو مجوسيا دية المجوسي وإنما تركنا قتل النساء والولدان بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم ليسوا ممن يقاتل فإن قاتل النساء أو من لم يبلغ الحلم لم يتوق ضربهم بالسلاح وذلك أن ذلك إذا لم يتوق من المسلم إذا أراد دم المسلم كان ذلك من نساء المشركين ومن لم يبلغ الحلم منهم أولى أن لا يتوقى وكانوا قد زايلوا الحال التي نهى عن قتلهم فيها وإذا أسروا أو هربوا أو جرحوا وكانوا ممن لا يقاتل فلا يقتلون لأنهم قد زايلوا الحال التي أبيحت فيها دماؤهم وعادوا إلى أصل حكمهم بأنهم ممنوعين بأن يقصد قصدهم بالقتل ويترك قتل الرهبان وسواء رهبان الصوامع ورهبان الديارات والصحارى وكل من يحبس نفسه بالترهب تركنا قتله اتباعا لأبي بكر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه إذا كان لنا أن ندع قتل الرجال المقاتلين بعد المقدرة وقتل الرجال في بعض الحالات لم نكن آثمين بترك الرهبان إن شاء الله تعالى وإنما قلنا هذا تبعا لا قياسا ولو أنا زعمنا انا تركنا قتل الرهبان لأنهم في معنى من لا يقاتل تركنا قتل المرضى حين نغير عليهم والرهبان وأهل الجبن والأحرار والعبيد وأهل الصناعات الذين لا يقاتلون فإن قال قائل ما دل على أنه يقتل من لا قتال منه من المشركين قيل قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين دريد بن الصمة وهو في شجار مطروح لا يستطيع أن يثبت جالسا وكان قد بلغ نحوا من خمسين ومائة سنة فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ولم أعلم أحدا من المسلمين عاب أن نقتل من رجال المشركين من عدا الرهبان ولو جاز أن يعاب قتل من عدا الرهبان بعنى أنهم لا يقاتلون لم يقتل الأسير ولا الجريح المثبت وقد ذفف على الجرحى بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو جهل بن هشام ذفف عليه ابن مسعود وغيره وإذا لم يكن في ترك قتل الراهب حجة إلا ما وصفنا غنمنا كل مال له في صومعته وغير صومعته ولم ندع له منه شيئا لأنه لا خبر في أن يترك ذلك له فيتبع وتسبى أولاد الرهبان ونساؤهم إن كانوا غير مترهبين والأصل في ذلك أن الله عز وجل أباح أموال المشركين فإن قيل فلم لا تمنع ماله قيل كما لا أمنع مال المولود والمرأة وأمنع دماءهما وأحب لو ترهب النساء تركهن كما أترك الرجال فإن ترهب عبد من المشركين أو أمة سبيتهما من قبل أن السيد لو أسلم قضيت له يسترقهما ويمنعهما الترهب لأن المماليك لا يملكون من أنفسهم ما يملك الأحرار فإن قال قائل وما الفرق بين المماليك والأحرار قيل لا يمنع حر من غزو ولا حج ولا تشاغل ببر عن صنعته بل يحمد على ذلك ويكون الحج والغزو لازمين له في بعض الحالات ولمالك العبد منعه من ذلك وليس يلزم العبد من هذا شيء الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ قال الشافعي رحمه الله تعالى المجوس والصابئون والسامرة أهل كتاب فخالفنا بعض الناس فقال أما الصابئون والسامرة فقد علمت أنهما صنفان من اليهود والنصارى وأما المجوس فلا أعلم أنهم أهل كتاب وفي الحديث ما يدل على أنهم غير أهل كتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب وأن المسلمين لا ينكحون نساءهم ولا يأكلون ذبائحهم فإن زعم أنهم إذا أبيح أن تؤخذ منهم الجزية فكل مشرك عابد وثن أو غيره فحرام إذا أعطى الجزية أن لاتقبل منه وحالهم حال أهل الكتاب في أن تؤخذ منهم الجزية وتحقن دماءؤهم بها إلا العرب خاصة فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وقال لي بعض من يذهب هذا المذهب ما حجتك في أن حكمت في المجوس حكم أهل الكتاب ولم تحكم بذلك في غير المجوس فقلت الحجة أن سفيان أخبرنا عن أبي سعيد عن نصر بن عاصم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سئل عن المجوس فقال كانوا أهل الكتاب فما قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب قلت كلام عربي والكتابان المعروفان التوراة والإنجيل ولله كتب سواهما قال وما دل على ما قلت قلت قال الله عز وجل أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى فالتوراة كتاب موسى والإنجيل كتاب عيسى والصحف كتاب إبراهيم ما لم تعرفه العامة من العرب حتى أنزل الله وقال الله عز وجل ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون قال فما معنى قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب قلنا في أن تؤخذ منهم الجزية قال فما دل أنه كلام خاص قلنا لو كان عاما أكلنا ذبائحهم ونكحنا نساءهم قال الشافعي فقال ففي المشركين الذين تؤخذ منهم الجزية حكم واحد أو حكمان قيل بل حكمان قال وهل يشبه هذا شيء قلنا نعم حكم الله جل ثناؤه فيمن قتل من أهل الكتاب وغيرهم قال فإنا نزعم أن غير المجوس ممن لا تحل ذبيحته ولا نساؤه قياسا على المجوس قلنا فأين ذهبت عن قول الله عز وجل فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلى فخلوا سبيلهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن زعمت أنها والحديث منسوخان بقول الله عز وجل حتى يعطوا الجزية وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب قلنا فإذ زعمت ذلك دخل عليك أن تكون العرب ممن يعطون الجزية وإن لم يكونوا أهل كتاب قال فإن قلت لا يصلح أن تعطى العرب الجزية قلنا أو ليسوا داخلين في اسم الشرك قال بلى ولكن لم أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم جزية قلنا أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم جزية من غير كتابي أو مجوسي قال لا قلنا فكيف جعلت غير الكتابيين من المشركين قياسا على المجوس أرأيت لو قال لك قائل بل آخذها من العرب دون غيرهم ممن ليس من أهل الكتاب ما تقول له قال أفتزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من عربي قلنا نعم وأهل الإسلام يأخذونها حتى الساعة من العرب قد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أكيدر الغساني في غزو تبوك وصالح أهل نجران واليمن ومنهم عرب وعجم وصالح عمر رضي الله تعالى عنه نصارى بني تغلب وبني نمير إذ كانوا كلهم يدينون دين أهل الكتاب وهم تؤخذ منهم الجزية إلى اليوم قال الشافعي رحمه الله تعالى ولو جاز أن يزعم أن إحدى الآيتين والحديثين ناسخ للآخر جاز أن يقال الأمر بأن تؤخذ الجزبة من أهل الكتاب في القرآن ومن المجوس في السنة منسوخ بأمر الله عز وجل أن نقاتل المشركين حتى يسلموا وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ولكن لا يجوز أن يقال واحد منهما ناسخ إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمضيان جميعا على وجوههما ما كان إلى إمضائهما سبيل بما وصفنا وذلك إمضاء حكم الله عز وجل وحكم رسوله معا وقولك خارج من ذلك في بعض الأمور دون بعض قال فقال لي أفعلي أي شيء الجزية قلنا على الأديان لا على الأنساب ولوددنا أن الذي قلت على ما قلت إلا أن يكون لله سخط وما رأينا الله عز وجل فرق بين عربي ولا عجمي في شرك ولا إيمان ولا المسلمون أنا لنقتل كلا بالشرك ونحقن دم كل بالإسلام ونحكم على كل بالحدود فيما أصابوا وغيرها قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا ظهر المسلمون على رجال من العدو فأسروهم فأسلموا بعد الإسار فهم مرقوقون لا تحل دماؤهم وأي حال أسلموا فيها قبل الإسار حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم إلا ما حووا قبل أن يسلموا وكانوا أحرارا ولم يسب من ذراريهم أحد صغير فأما نساؤهم وأبناؤهم البالغون فحكمهم حكم أنفسهم في القتل والسبي لا حكم الأب والزوج وكذلك إن أسلموا وقد حصروا في مدينة أو بيت أو أحاطت بهم الخيل أو غرقوا في البحر فكانوا لا يمتنعون ممن أراد أخذهم أو وقعوا في نار أو بئر وخرجوا وكانوا غير ممتنعين كانوا بهذا كله محقوني الدماء ممنوعين من أن يسبوا ولكن لو سبوا فربطوا أو سجنوا غير مربوطين أو صاروا إلى الإستسلام فأمر بهم الحاكم قوما يحفظونهم فأسلموا حقنت دماؤهم وجرى السبي عليهم فإن قال ما فرق بين هذه الحال وبين المحاط بهم في صحراء أو بيت أو مدينة قيل قد يمتنع أولئك حتى يغلبوا من أحاط بهم أو يأتيهم المدد أو يتفرقون عنهم فيهربوا وليس من كان بهذه الحال ممن يقع عليه اسم السبي إنما يقع عليه اسم السبي إذا حوى غير ممتنع ولو أسر جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل يقاتلونهم وقيل قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين ومن قال هذا القول قال وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك ولو قال قائل قتالهم حرام لمعان منها أن واجبا على من ظهر من المسلمين على المشركين فغنم فالخمس لأهل الخمس وهم متفرقون في البلدان وهذا لا يجد السبيل إلى أن يكون الخمس مما غنم لأهل الخمس ليؤديه إلى الإمام فيفرقه وواجب عليهم ان قاتلوا أهل الكتاب فأعطوا الجزية أن يحقنوا دماءهم وهذا إن أعطوا الجزية لم يقدر على أن يمنعهم حتى يحقنوا دماءهم كان مذهبا وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إلي أن لا يقاتلوا ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلما كان آمن برسول صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه وإذا غزا المسلمون بلاد الحرب فسرت سرية كثيرة أو قليلة بإذن الإمام أو غير إذنه فسواء ولكني أستحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام لخصال منها أن الإمام يغني عن المسألة ويأتيه من الخبر ما لا تعرفه العامة فيقدم بالسرية حيث يرجو قوتها ويكفها حيث يخاف هلكتها وإن أجمع لأمر الناس أن يكون ذلك بأمر الإمام وإن ذلك أبعد من الضيعة لأنهم قد يسيرون بغير إذن الإمام فيرحل ولا يقيم عليهم فيتلفون إذا انفردوا في بلاد العدو ويسيرون ولا يعلم فيرى الإمام الغارة في ناحيتهم فلا يعينهم ولو علم مكانهم أعانهم وأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار إن قتلت صابرا محتسبا قال فلك الجنة قال فانغمس في جماعة العدو فقتلوه وألقى رجل من الأنصار درعا كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رجلا من الأنصار تخلف عن أصحابه ببئر معونة فرأى الطير عكوفا على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم إلى هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا حسنا ويقال فقال لعمرو فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل فإذا حل الرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رآه حيث لا يرى ولا يأمن كان هذا أكثر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام قال الشافعي رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الآية وقال يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إلى قوله والله مع الصابرين أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا كما قال ابن عباس ومستغن بالتنزيل عن التأويل لما كتب الله عز وجل من أن لا يفر العشرون من المائتين فكان هذا الواحد من العشرة ثم خفف الله عنهم فصير الأمر إلى ان لا تفر المائة من المائتين وذلك أن لا يفر الرجل من الرجلين قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا مثل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول ابن عباس وقولنا وهؤلاء الخارجون من السخط إن فروا من أكثر منهم حتى يكون الواحد فر من ثلاثة فصاعدا فيما نرى والله تعالى أعلم الفارين بكل حال أما الذين يجب عليهم السخط فإذا فر الواحد من اثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا والمتحرف له يمينا وشمالا ومدبرا ونيته العودة للقتال والفار متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت كانت بحضرته أو منتئية عنه سواء إنما يصير الأمر في ذلك إلى نية المتحرف والمتحيز فإن كان الله عز وجل يعلم أنه إنما تحرف ليعود للقتال أو تحيز لذلك فهو الذي استثنى الله فأخرجه من سخطه في التحرف والتحيز وإن كان لغير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله تعالى عنه أن يكون قد باء بسخط من الله وإذا تحرف إلى الفئة فليس عليه أن ينفرد إلى العدو فيقاتلهم وحده ولو كان ذلك الآن لم يكن له أولا أن يتحرف ولا بأس بالمبارزة وقد بارز يوم بدر عبيدة بن الحرث وحمزة بن عبدالمطلب وعلي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز محمد بن مسلمة مرحبا يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسرا وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبدود وإذا بارز الرجل من المشركين بغير أن يدعو أو يدعى إلى المبارزة فبرز له رجل فلا بأس أن يعينه عليه غيره لأنهم لم يعطوه أن لا يقاتله إلا واحد ولم يسألهم ذلك ولا شيء يدل على أنه إنما أراد أن يقاتله واحد فقد تبارز عبيدة وعتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر وضربه عتبة فقطع رجله وأعان حمزة وعلي فقتلا عتبة قال الشافعي رحمه الله تعالى فأما إن دعا مسلم مشركا أو مشرك مسلما إلى أن يبارزه فقال له لا يقاتلك غيري أو لم يقل له ذلك إلا أنه يعرف أن الدعاء إلى مبارزة الواحد كل من الفريقين معا سوى المبارزين أحببت أن يكف عن أن يحمل عليه غيره فإن ولى عنه المسلم أو جرحه فأثخنه فحمل عليه بعد تبارزهما فلهم أن يقتلوه إن قدروا على ذلك لأن قتالهما قد انقضى ولا أمان له عليهم إلا أن يكون شرط أنه آمن منهم حتى يرجع إلى مخرجه من الصف فلا يكون لهم قتله حتى يرجع إلى مأمنه ولو شرطوا ذلك له فخافوه على المسلم أو يجرح المسلم فلهم أن يستنقذوا المسلم منه بلا أن يقتلوه فإن امتنع أن يخليهم وإنقاذ صاحبهم وعرض دونه ليقاتلهم قاتلوه لأنه نقض أمان نفسه ولو عرض بينه وبينهم فقال أنا منكم في أمان قالوا نعم إن خليتنا وصاحبنا فإن لم تفعل تقدمنا لأخذ صاحبنا فإن قاتلتنا قاتلناك وكنت أنت نقضت أمانك فإن قال قائل وكيف لا يعان الرجل المبارز على المشرك قاهرا له قيل إن معونة حمزة وعلي على عتبة إنما كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتال ولم يكن منهم لعتبة أمان يكفون به عنه فإن تشارطا الأمان فأعان المشركون صاحبهم كان للمسلمين أن يعينوا صاحبهم ويقتلوا من أعان عليه المبارز له ولا يقتلوا المبارز ما لم يكن هو استنجدهم عليه قال الشافعي وإذا تحصن العدو في جبل أو حصن أو خندق أو بحسك أو بما يتحصن به فلا بأس أن يرموا بالمجانيق والعرادات والنيران والعقارب والحيات وكل ما يكرهونه وأن يبثقوا عليهم الماء ليغرقوهم أو يوحلوهم فيه وسواء كان معهم الأطفال والنساء والرهبان أو لم يكونوا لأن الدار غير ممنوعة بإسلام ولا عهد وكذلك لا بأس أن يحرقوا شجرهم المثمر وغير المثمر ويخربوا عامرهم وكل ما لا روح فيه من أموالهم فإن قال قائل ما الحجة فيما وصفت وفيهم الوالدان والنساء المنهي عن قتلهم قيل الحجة فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع أموال بني النضير وحرقها أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير فقال قائل وهان على سراة بني لؤيحريق بالبويرة مستطير قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل فقد نهى بعد التحريق في أموال بني النضير قيل له إن شاء الله تعالى إنما نهى عنه أن الله عز وجل وعده بها فكان تحريقه إذهابا منه لعين ماله وذلك في بعض الأحاديث معروف عند أهل المغازي فإن قال قائل فهل حرق أو قطع بعد ذلك قيل نعم قطع بخيبر وهي بعد بني النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها لقي فيها قتالا فإن قال قائل كيف أجزت الرمي بالمنجنيق وبالنار على جماعة المشركين فيهم الولدان والنساء وهم منهي عن قتلهم قيل أجزنا بما وصفنا وبأن النبي صلى الله عليه وسلم شن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات وبالتحريق والعلم يحيط أن فيهم الولدان والنساء وذلك أن الدار دار شرك غير ممنوعة وإنما نهى أن تقصد النساء والولدان بالقتل إذا كان قاتلهم يعرفهم بأعيانهم للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم سباهم فجعلهم مالا وقد كتب هذا قبل هذا فإن كان في الدار أسارى من المسلمين أو تجار مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق وما أشبهه غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن تحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه وإنما كرهت ذلك احتياطا ولأن مباحا لنا لو لم يكن فيها مسلم أن نجاوزها فلا نقاتلها وإن قاتلناها قاتلناها بغير ما يعم من التحريق والتغريق ولكن لو التحم المسلمون أو بعضهم فكان الذي يرون أنه ينكأ من التحمهم يغرقوه أو يحرقوه كان ذلك رأيت لهم أن يفعلوا ذلك ولم أكرهه لهم بأنهم مأجورون أجرين أحدهما الدفع عن أنفسهم والآخر نكاية عدوهم غير ملتحمين فتترسوا بأطفال المشركين فقد قيل لا يتوقون ويضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل يكف عن المتترس به ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف عمن تترسوا به إلا أن يكون المسلمون ملتحمين فلا يكف عن المتترس ويضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في شيء من هذه الحالات مسلما أعتق رقبة وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناها أو بنابها عنهم فرجعت علينا واستلحمنا وهي في أيدينا أو خفنا الدرك وهي في أيدينا ولا حاجة لنا بركوبها إنما نريد غنيمتها أو بنا حاجة إلى ركوبها أو كانت معها ماشية ما كانت أو نحل أو ذو روح من أموالهم مما يحل للمسلمين اتخاذه لمأكلة فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه كما قال أبو بكر لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه فإن قال قائل فقد قال أبو بكر ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته قيل فإنا قطعناه بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في اتباعه حجة مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم فإن قال قائل ما السنة قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى بني عامر عن عبدالله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما حقها قال أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ووجدت الله عز وجل أباح قتل ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين أحدهما أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها والآخر أن تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور فإن قال قائل ففي ذلك نكايتهم وتوهين وغيظ قلنا وقد يغاظون بما يحل فنفعله وبما لا يحل فنتركه فإن قال ومثل ما يغاظون به فنتركه قلنا قتل نسائهم وأولادهم فهم لو أدركونا وهم في أيدينا لم نقتلهم وكذلك لو كان إلى جنبنا رهبان يغيظهم قتلهم لم نقتلهم ولكن إن قاتلوا فرسانا لم نر بأسا إذا كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقر بهم كما نرميهم بالمجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان بعد ذلك شعرا فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أحمل النعماء لابن شعوبوما زال مهري مزجر الكلب منهم لدن غدوة حتى دنت لغروبأقاتلهم طرا وأدعو لغالب وأدفعهم عني بركن صليب قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن قال قائل ما الفرق بين العقر بهم وعقر بهائمهم قيل العقر بهم يجمع أمرين أحدهما دفع عن العاقر المسلم ولأن الفرس أداة عليه يقبل بقوته ويحمل عليه فيقتله والآخر يصل به إلى قتل المشرك والدواب توجف أو يخاف طلب العدو لها إذا قتلت ليست في واحد من هذين المعنيين لا أن قتلها منع العدو للطلب ولا أن يصل المسلم من قتل المشرك إلى ما لم يكن يصل إليه قبل قتلها وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق ولم يجاوزوا ذلك إلى أن يمثلوا بقطع يد ولا رجل ولا عضو ولا مفصل ولا بقر بطن ولا تحريق ولا تغريق ولا شيء يعدو ما وصفت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت فإن قال قائل قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رويا فيه أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلة أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فقال إن ظفرتم بهبار بن الأسود فاجعلوه بين حزمتين من حطب ثم أحرقوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله عز وجل إن ظفرتم به فاقطعوا يديه ورجليه قال الشافعي رحمه الله كان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه عن علي بن حسين قال والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم قال الشافعي رحمه الله تعالى في الأسارى من المسلمين في بلاد الحرب يقتل بعضهم بعضا أو يجرح بعضهم بعضا أو يغصب بعضهم بعضا ثم يصيرون إلى بلاد المسلمين إن الحدود تقام عليهم إذا صاروا إلى بلاد المسلمين ولا تمنع الدار حكم الله عز وجل ويؤدون كل زكاة وجبت عليهم لا تضع الدار عنهم شيئا من الفرائض ولكنهم لو كانوا من المشركين فأسلموا ولم يعرفوا الأحكام فنال بعضهم من بعض شيئا بجراح أو قتل درأنا عنهم الحد بالجهالة وألزمناهم الدية في أموالهم وأخذنا منهم في أموالهم كل ما أصاب بعضهم لبعض وكذلك لو زنى رجل منهم بامرأة وهو لا يعلم أن الزنا محرم درأنا عنه الحد بأن الحجة لم تقم وتطرح عنه حقوق الله ويلزمه حقوق الآدميين ولو كانت المرأة مسلمة أسرت أو استؤمنت ممن قد قامت عليهم الحجة فامكنته من نفسها حدت ولم يكن لها مهر ولم يكن عليه حد ولو أنه تزوجها بنكاح المشركين فسخنا النكاح وألحقنا به الولد ودرأنا عنه الحد وجعلنا لها المهر ولو سرق بعضهم من بعض شيئا درأنا عنه القطع وألزمناه الغرامة ولو أربى بعضهم على بعض رددنا الربا بينهم لأن هذا من حقوق الآدميين وقال في القوم من المسلمين ينصبون المجانيق على المشركين فيرجع عليهم حجر المنجنيق فيقتل بعضهم فهذا قتل خطأ فدية المقتولين على عواقل القاتلين قدر حصة المقتولين كأنه جر حبل المنجنيق عشرة فرجع الحجر على خمسة منهم فقتلهم فأنصاف دياتهم على عواقل القاتلين لأنهم قتلوا بفعلهم وفعل غيرهم ولا يؤدون حصتهم من فعلهم فهم قتلوا أنفسهم مع غيرهم ولو رجع حجر المنجنيق على رجل لم يجره كان قريبا من المنجنيق أو بعيدا معينا لأهل المنجنيق بغير الجر أو غير معين لهم كانت ديته على عواقل الجارين كلهم ولو كان فيهم رجل يمسك لهم من الحبال التي يجرونها بشيء ولا يجر معهم في إمساكه لهم لم يلزمه ولا عاقلته شيء من قبل أنا لم ند إلا بفعل القتل فأما بفعل الصلاح فلا ولو رجع عليهم الحجر فقتلهم كلهم أو سقط المنجنيق عليهم من جرهم فقتل كلهم وهم عشرة ودوا كلهم ورفع عن عواقل من يديهم عشر دية كل واحد منهم لأنه قتل بفعل نفسه وفعل تسعة معه فيرفع عنه حصة فعل نفسه ويؤخذ له حصة فعل غيره ثم هكذا كل واحد ولو رمى رجل بعرادة أو بغيرها أو ضرب بسيف فرجعت الرمية عليه كأنها أصابت جدارا ثم رجعت إليه أو ضرب بسيف شيئا فرجع عليه السيف فلا دية له لأنه جنى على نفسه ولا يضمن لنفسه شيئا ولو رمى في بلاد الحرب فأصاب مسلما مستأمنا أو أسيرا أو كافرا أسلم فلم يقصد قصده بالرمية ولم يره فعليه تحرير رقبة ولا دية له وإن رآه وعرف مكانه ورمى وهو مضطر إلى الرمي فقتله فعليه دية وكفارة وإن كان عمده وهو يعرفه مسلما فعليه القصاص إذا رماه بغير ضرورة ولا خطأ وعمد قتله فإن تترس به مشرك وهو يعلمه مسلما وقد التحم فرأى أنه لا ينجيه إلا ضربه المسلم فضربه يريد قتل المشرك فإن أصابه درأنا عنه القصاص وجعلنا عليه الدية وهذا كله إذا كان في بلاد المشركين أوصفهم فأما إذا انفرج عن المشركين فكان بين صف المسلمين والمشركين فذلك موضع يجوز أن يكون فيه المسلم والمشرك فإن قتل رجل رجلا وقال ظننته مشركا فوجدته مسلما فهذا من الخطأ وفيه العقل فإن اتهمه أولياؤه أحلف لهم ما علمه مسلما فقتله فإن قال قائل كيف أبطلت دية مسلم أصيب ببلاد المشركين برمي أو غارة لا يعمد فيها بقتل قيل قال الله عز وجل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ إلى قوله متتابعين فذكر الله عز وجل في المؤمن يقتل خطأ والذمي يقتل خطأ الدية في كل واحد منهما و تحرير رقبة فدل ذلك على أن هذين مقتولان في بلاد الإسلام الممنوعة لا بلاد الحرب المباحة وذكر من حكمهما حكم المؤمن من عدو لنا يقتل فجعل فيه تحرير رقبة فلم تحتمل الآية والله تعالى أعلم إلا أن يكون قوله فإن كان من قوم عدو لكم يعني في قوم عدو لكم وذلك أنها نزلت وكل مسلم فهو من قوم عدو للمسلمين لأن مسلمي العرب هم من قوم عدو للمسلمين وكذلك مسلموا العجم ولو كانت على أن لا يكون دية في مسلم خرج إلى بلاد الإسلام من جماعة المشركين هم عدو لأهل الإسلام للزم من قال هذا القول أن يزعم أن من أسلم من قوم مشركين فخرج إلى دار الإسلام فقتل كانت فيه تحرير رقبة ولم تكن فيه دية وهذا خلاف حكم المسلمين وإنما معنى الآية إن شاء الله تعالى على ما قلنا وقد سمعت بعض من أرضى من أهل العلم يقول ذلك فالفرق بين القتلين أن يقتل المسلم في دار الإسلام غير معمود بالقتل فيكون فيه دية وتحرير رقبة أو يقتل مسلم ببلاد الحرب التي لا إسلام فيها ظاهر غير معمود بالقتل ففي ذلك تحرير رقبة ولا دية مسألة مال الحربي قال الشافعي وإذا دخل الذمي أو المسلم دار الحرب مستأمنا فخرج بمال من مالهم يشتري لهم شيئا فأما مع المسلم فلا نعرض له ويرد إلى أهله من أهل الحرب لأن أقل ما فيه أن يكون خروج المسلم به أمانا للكافر فيه وأما مع الذمي قال الربيع ففيها قولان أحدهما أنا نغنمه لأنه لا تكون كينونته معه أمانا له منا لأنه إنما روى المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم فلا يكون ما مع الذمي من أموالهم أمانا لأموالهم وإن ظن الحربي الذي بعث بماله معه أن ذلك أمان له كما لو دخل حربي بتجارة إلينا بلا أمان منا كان لنا أن نسبيه ونأخذ ماله ولا يكون ظنه بأنه إذا دخل تاجرا أن ذلك أمان له ولماله بالذي يزيل عنه حكما والقول الثاني أنا لا نغنم ما مع الذمي من مال الحربي لأنه لما كان علينا أن لا نعرض للذمي في ماله كان ما معه من مال غيره له أمان مثل ماله كما لو أن حربيا دخل إلينا بأمان وكان معه مال لنفسه ومال لغيره من أهل الحرب لم نعرض له في ماله لما تقدم له من الأمان ولا في المال الذي معه لغيره فهكذا لما كان للذمي أمان متقدم لم يتعرض له في ماله ولا في المال الذي معه لغيره مثل هذا سواء والله نسأل التوفيق برحمته وكان آخر القولين أشبه إن شاء الله تعالى الأسارى والغلول أخبرنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال إذا أسر المسلم فكان في بلاد الحرب أسيرا موثقا أو محبوسا أو مخلى في موضع يرى أنه لا يقدر على البراح منه أو موضع غيره ولم يؤمنوه ولم يأخذوا عليه أنهم أمنوا منه فله أخذ ما قدر عليه من ولدانهم ونسائهم قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن أمنوه أو بعضهم وأدخلوه في بلادهم بمعروف عندهم في أمانهم إياه وهم قادرون عليه فإنه يلزمه لهم أن يكونوا منه آمنين وإن لم يقل ذلك إلا أن يقولوا قد أمناك ولا أمان لنا عليك لأنا لا نطلب منك أمانا فإذا قالوا هذا هكذا كان القول فيه كالقول في المسألة الأولى يحل له اغتيالهم والذهاب بأموالهم وإفسادها والذهاب بنفسه فإن أمنوه وخلوه وشرطوا عليه أن لا يبرح بلادهم أو بلدا سموه وأخذوا عليه أمانا أو لم يأخذوا قال الشافعي رحمه الله تعالى قال بعض أهل العلم يهرب وقال بعضهم ليس له أن يهرب وقال وإذا أسر العدو الرجل من المسلمين فخلوا سبيله وأمنوه وولوه من ضياعهم أو لم يولوه فأمانهم إياه أمان لهم منه فليس له أن يغتالهم ولا يخونهم وأما الهرب بنفسه فله الهرب فإن أدرك ليؤخذ فله أن يدفع عن نفسه وإن قتل الذي أدركه لأن طلبه غير الأمان فيقتله إن شاء ويأخذ ماله ما لم يرجع عن طلبه فاذا أسر المشركون المسلم فخلوه على فداء يدفعه إلى وقت وأخذوا عليه إن لم يدفع الفداء أن يعود في إسارهم فلا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام أن يدعه إن أراد العودة فإن كانوا امتنعوا من تخليته إلا على مال يعطيهموه فلا يعطيهم منه شيئا لأنه مال أكرهوه على أخذه منه بغير حق وإن كان أعطاهموه على شيء يأخذه منهم لم يحل له إلا أداؤه بكل حال وهكذا لو صالحهم مبتدئا على شيء انبغى له أن يؤديه إليهم إنما أطرح عليهم ما استكره عليه قال الشافعي رحمه الله تعالى في أسير في أيدي العدو وأرسلوا معه رسلا ليعطيهم فداء أو أرسلوه بعهد أن يعطيهم فداء سماه لهم وشرطوا عليه إن لم يدفعه إلى رسولهم أو يرسل به إليهم أن يعود في إسارهم قال الشافعي يروى عن أبي هريرة والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال وقال بعضهم إن أراد العودة منعه السلطان العودة وقال ابن هرمز يحبس لهم بالمال وقال بعضهم يفي لهم ولا يحبسونه ولا يكون كديون الناس وروى عن الأوزاعي والزهري يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال وروى ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روى عنه في المسألة الأولى قال الشافعي رحمه الله تعالى ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فإنما يحتج فيما أراه بما روى عن بعضهم أنه يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه بعد الصلح مسلما فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد وفيت لهم ونجاني الله منهم فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه فكان بطريق الشام يقطع على كل مال قريش حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالوه من أذاه قال الشافعي رحمه الله وهذا حديث قد رواه أهل المغازي كما وصفت ولا يحضرني ذكر إسناده فأعرف ثبوته من غيره قال وإذا كان المسلمون أسارى أو مستأمنين أو رسلا في دار الحرب فقتل بعضهم بعضا أو قذف بعضهم بعضا أو زنوا بغير حربية فعليهم في هذا كله الحكم كما يكون عليهم ولو فعلوه في بلاد الإسلام وإنما يسقط عنهم لو زنى أحدهم بحربية إذا ادعى الشبهة ولا تسقط دار الحرب عنهم فرضا كما لا تسقط عنهم صوما ولا صلاة ولا زكاة فالحدود فرض عليهم وإذا أصاب الرجل حدا وهو محاصر للعدو أقيم عليه الحد ولا يمنعنا الخوف عليه من اللحوق بالمشركين أن نقيم حد الله تعالى ولو فعلنا توقيا أن يغضب ما أقمنا عليه الحد أبدا لأنه يمكنه من أي موضع أن يلحق بدار الحرب فيعطل عنه حكم الله جل ثناؤه ثم حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا دخل الرجل بلاد الحرب فوجد في أيديهم أسيرا أو أسارى رجالا ونساء من المسلمين فاشتراهم وأخرجهم من بلاد الحرب فأراد أن يرجع عليهم بما أعطى فيهم لم يكن ذلك له وكان متطوعا بالشراء وزائدا أن اشترى ما ليس يباع من الأحرار فإن كان بأمرهم اشتراهم رجع عليهم بما أعطى فيهم من قبل أنه أعطى بأمرهم وإذا أسرت المرأة فنكحها بعض أهل الحرب أو وطئها بلا نكاح ثم ظهر عليها المسلمون لم تسترق هي ولا أولادها لأن أولادها مسلمون بإسلامها فإن كان لها زوج في دار الإسلام لم يلحق به هذا الولد ولحقوا بالنكاح المشرك وإن كان نكاحه فاسدا لأنه نكاح شبهة وإذا أسر المسلم فكان في دار الحرب فلا تنكح امراته إلا بعد يقين وفاته عرف مكانه أو خفي مكانه وكذلك لا يقسم ميراثه وما صنع الأسير من المسلمين في دار الحرب أو في دار الإسلام أو المسجون وهو صحيح في ماله غير مكره عليه فهو جائز من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك المستأمن في دار الحرب قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم وإن أسر العدو أطفال المسلمين ونساؤهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم فإذا فعلوا قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم ما يجوز للأسير في ماله إذا أراد الوصية قال الشافعي رحمه الله تعالى يجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدم ليقتل ما لم ينله منه ضرب يكون مرضا وكذلك الرجل بين الصفين قال الشافعي أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد ابن عبدالله عن الزهري أن مسروقا قدم بين يدي عبدالله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا لها نصف الصداق ولا ميراث لها قال الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام ابن عروة عن أبيه أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أمورا وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل وروى عن عمر بن عبدالعزيز عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل وبهذا كله نقول قال الشافعي وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصل إلى الغرق أو شبه الغرق قال الشافعي رحمه الله تعالى وقال القاسم بن محمد وابن المسيب عطية الحامل جائزة قال الشافعي رحمه الله تعالى وما وصفت من قول من سميت وغيرهم من أهل المدينة وقد روى عن ابن أبي ذئب أنه قال عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث وروى ذلك عن الزهري قال الشافعي وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله تعالى أعلم ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر وتأول قول الله عز وجل حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت وليس في قول الله عز وجل فلما أثقلت دلالة على مرض ولو كانت فيه دلالة على مرض يغير الحكم قد يكون مرضا غير ثقيل وثقيلا وحكمه في أن لا يجوز له في ماله إلا الثلث سواء ولو كان ذلك فيه كان الإثقال يحتمل أن يكون حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يخشيان فيه قضاء الله عز وجل ويسألانه أن يؤتيهما صالحا فإن قال قد يدعوان الله قبل قيل نعم مع أول الحمل ووسطه وآخره وقبله والحبلى في اول حملها أشبه بالمرض منها بعد ستة أشهر للتغير والكسل والنوم والضعف ولهي في شهرها أخف منها في شهر البدء من حملها وما في هذا إلا أن الحبل سرور ليس بمرض حتى تحضر الحال المخوفة للولاد أو يكون تغيرها بالحبل مرضا كله من أوله إلى آخره فيكون ما قال ابن أبي ذئب فأما غير هذا لا يجوز والله تعالى أعلم لأحد أن يتوهمه المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين قيل للشافعي أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفرا بينا بعد إيمان ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين فقلت للشافعي أقلت هذا خبرا أم قياسا قال قلته بما لا يسع مسلما علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي فاذكر السنة فيه قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت عليا يقول بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقداد والزبير فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرءا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يدا والله ما فعلته شكا في ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد صدق فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فنزلت يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء قال الشافعي رحمه الله تعالى في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولا كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه قيل للشافعي أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فقال له قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكما له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصا أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة أو يكون ذلك موجودا في كتاب الله عز وجل قلت للشافعي أفتأمر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم فقال الشافعي إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تجافوا لذوي الهيئات وقد قيل في الحديث ما لم يكن حد فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام والله تعالى أعلم تعزيره وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لجهالته يعني المعترف بما عليه وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة من غل في سبيل الله فقلت للشافعي أرأيت الذي يكتب بعورة المسلمين أو يخبر عنهم بأنهم أرادوا بالعدو شيئا ليحذروه من المستأمن والموادع أو يمضي إلى بلاد العدو مخبرا عنهم قال يعزر هؤلاء ويحبسون عقوبة وليس هذا بنقض للعهد يحل سبيهم وأموالهم ودماءهم وإذا صار منهم واحد إلى بلاد العدو فقالوا لم نر بهذا نقضا للعهد فليس بنقض للعهد ويعزر ويحبس قلت للشافعي أرأيت الرهبان إذا دلوا على عورة المسلمين قال يعاقبون وينزلون من الصوامع ويكون من عقوبتهم إخراجهم من أرض الإسلام فيخيرون بين أن يعطوا الجزية ويقيموا بدار الإسلام أو يتركوا يرجعون فإن عادوا أودعهم السجن وعاقبهم مع السجن قلت للشافعي أفرأيت إن أعانوهم بالسلاح والكراع أو المال أهو كدلالتهم على عورة المسلمين قال إن كنت تريد في أن هذا لا يحل دماءهم فنعم وبعض هذا أعظم من بعض ويعاقبون بما وصفت أو أكثر ولا يبلغ بهم قتل ولا حد ولا سبي فقلت للشافعي فما الذي يحل دماءهم قال إن قاتل أحد من غير أهل الإسلام راهب أو ذمي أو مستأمن مع أهل الحرب حل قتله وسباؤه وسبي ذريته وأخذ ماله فأما ما دون القتال فيعاقبون بما وصفت ولا يقتلون ولا تغنم أموالهم ولا يسبون الغلول قلت للشافعي أفرأيت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم فقال لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت للشافعي أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه فقال لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها قال الشافعي رحمه الله تعالى وقليل الغلول وكثيره محرم قلت فما الحجة قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب وأخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر تكلم قال كلام حي أو كلام ميت قال تكلم لا بأس قال إنا وإياكم معاشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر ما تقول فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال عمر ارتشيت وأصبت منه فقلت والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم وفرض له قال الشافعي رحمه الله تعالى وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ قال الشافعي ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن للعدو وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به أنس على عمر ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعد ما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس قال الشافعي ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه عمر قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول عمر لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال للهرمزان من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم قال الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سأله إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون قال نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال أرأيت إن رمى بحجر قال إذا يقتل قال فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم قال الشافعي رحمه الله تعالى ما قال عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من تعرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمي أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة قيل بلغنا أن رجلا قال يا رسول الله إلا م يضحك الله من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل قال الشافعي رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس قال سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أنس وإني لرديف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشافعي وفي رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا قيل قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه الفداء بالأسارى قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وطرحوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه أو قال أتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وتحته قطيفة فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما شأنك قال فبم أخذت وفيم أخذت سابقة الحاج قال أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال ما شأنك قال إني مسلم فقال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح قال فتركه ومضى فناداه يا محمد يا محمد فرجع إليه فقال إني جائع فأطعمني قال وأحسبه قال وإني عطشان فاسقني قال هذه حاجتك ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف وأخذ ناقته قال الشافعي رحمه الله تعالى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلما كان هكذا لم ينكر أن يقول أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصير إلى أن يخلوا من أراد ويصيروا إلى ما أراد قال الشافعي رحمه الله تعالى وقد غلط بهذا بعض من يشدد الولاية فقال يؤخذ الولي من المسلمين وهذا مشرك يحل أن يؤخذ بكل جهة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين مسلمين هذا ابنك قال نعم قال أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقضى الله عز وجل أن لا تزر وازرة وزر أخرى ولما كان حبس هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا كان جائزا أن يحبس بجناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه ويخلي تطوعا إذا نال به بعض ما يحب حابسه قال الشافعي رحمه الله تعالى وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلم لا بنية فقال لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وهكذا من أسر من المشركين فأسلم حقن له إسلامه دمه ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه استدلالا بما وصفنا من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه بالرجلين فهذا أنه أثبت عليه الرق بعد إسلامه قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا رد لقول مجاهد لأن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي رحمه الله تعالى وإذا فاداه النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أصحابه فإنما فاداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان من يدفعون إليهم من المسلمين لا يسترق وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم وإن خرج من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك وفي هذا دلالة على أنه لا بأس أن يخرج المسلم من بلاد الإسلام إلى بلاد الشرك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فدى صاحبيه بالعقيل بعد إسلامه وبلاده بلاد شرك ففي ذلك دلالة على ما وصفت قال الشافعي رحمه الله تعالى فداء النبي صلى الله عليه وسلم هذا بالعقيلي ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يضرونه ولا يجترئون عليه لقدره فيهم وشرفه عندهم ولو أسلم رجل لم يرد إلى قوم يقومون عليه أن يضروه إلا في مثل حال العقيلي قال الشافعي رحمه الله تعالى وفداؤه بالعقيلي والعقيلي لا يسترق خلاف أن يفدى بمن يسترق من المسلمين قال ولا بأس أن يفدى بمن يسترق من المشركين البالغين المسلمين وإذا جاز أن يفدى بمن يسترق جاز أن يبيع المسلمون المشركين البالغين من المشركين العبد المسلم يأبق إلى أهل دار الحرب سألت الشافعي عن العدو يأبق إليهم العبد أو يشرد البعير أو يغيرون فينالونهما أو يملكونهما أسهما قال لا فقلت للشافعي فما تقول فيهما إذا ظهر عليهم المسلمون فجاء أصحابهما قبل أن يقتسما فقال هما لصاحبهما فقلت أرأيت إن وقعا في المقاسم فقال اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصحبهما ومنهم من قال هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصارا في سهم رجل فلا سبيل إليهما ومنهم من قال صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة قلت للشافعي فما اخترت من هذا قال أنا أستخير الله عز وجل فيه قلت فمع أي القولين الآثار والقياس فقال دلالة السنة والله تعالى أعلم فقلت للشافعي فاذكر السنة فقال أخبرنا الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن عمران بن حصين قال سبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة قد أصيبت قبلها قال الشافعي رحمه الله تعالى كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر حديثه يدل على ذلك قال عمران بن حصين فكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فاننفلتت ذات ليلة من الوثائق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيرا منها فمسته رغا فتركته حتى أتت تلك النقاقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هدرة فقعدت في عجزها ثم صاحت بها فانطلقت وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفوا الناقة وقالوا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنها قد جعلت لله تعالى عليها لتنحرنها فقال والله لا تنحريها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وأنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبئسما جزتها إن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد أو قال ابن آدم قال الشافعي رحمه الله تعالى وهذا الحديث يدل على أن العدو قد أحرز ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الأنصارية انفلتت من إسارهم عليها بعد إحرازهموها ورأت أنها لها فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد نذرت فيما لا تملك ولا نذر لها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ولو كان المشركون يملكون على المسلمين لم يعد أخذ الأنصارية الناقة أن تكون ملكتها بأنها أخذتها ولا خمس فيها لأنها لم توجف عليها وقد قال بهذا غيرنا ولسنا نقول به أو تكون ملكت أربعة أخماسها وخمسها لأهل الخمس أو تكون من الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فيكون أربعة أخماسها للنبي صلى الله عليه وسلم وخمسها لأهل الخمس ولا أحفظ قولا لأحد أن يتوهمه في هذا غير أحد هذه الثلاثة الأقاويل قال فلما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته دل هذا على أن المشركين لا يملكون شيئا على المسلمين وإذا لم يملك المشركون على المسلمين ماأوجفوا عليه بخيلهم فأحرزوه في ديارهم أشبه والله تعالى أعلم أن لا يملك المسلمون عنهم ما لم يملكوا هم لأنفسهم قبل قسم الغنيمة ولا بعده قلت للشافعي رحمه الله تعالى فإن كان هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف اختلف فيه فقال قد يذهب بعض السنن على بعض أهل العلم ولو علمها إن شاء الله تعالى قال بها قلت للشافعي أفرأيت من لقيت ممن سمع هذا كيف تركه فقال لم يدعه كله ولم يأخذ به كله فقلت فكيف كان هذا قال الله تعالى أعلم ولا يجوز هذا لأحد فقلت فهل ذهب فيه إلى شيء فقال كلمني بعض من ذهب هذا المذهب فقال وهكذا يقول فيه المقاسم فيصير عبد رجل في سهم رجل فيكون مفروزا من حقه ويتفرق الجيش فلا يجد أحدا يتبعه بسهمه فينقلب لا سهم له فقلت له أفرأيت لو وقع في سهمه حر أو أم ولد لرجل قال يخرج من يده ويعوض من بيت المال فقلت له وإن لم يستحق الحر الحرية ولا مالك أم الولد إلا بعد تفرق الجيش قال نعم ويعوض من بيت المال فقلت له وما يدخل على من قال هذا القول في عبد الرجل المسلم يخرج من يدي من صار سهمه ويعوض منه قيمته فقال من أين يعوض قلت من الخمس خاصة قال ومن أي الخمس قلت سهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يضعه في الأنفال ومصالح المسلمين قال الشافعي رحمه الله تعالى فقال لي قائل تول الجواب عمن قال صاحب المال أحق به قبل المقاسم وبعده قلت فاسأل فقال ما حجتك فيه قلت ما وصفت من السنة في حديث عمران بن حصين والخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن السنة إذا دلت أن المشركين لا يملكون على المسلمين شيئا بحال لم يجز أن يملكوا عليهم بحال أخرى إلا بسنة مثلها فقال ومن أين قلت إني إذا أعطيت أن مالك العبد إذا وجد عبده قبل ما يحرزه العدو ثم يحرزه المسلمون على العدو قبل أن يقسمه المسلمون فقد أعطيت أن العدو لم يملكوه ملكا يتم لهم ولو ملكوه ملكا يتم لهم لم يكن العبد لسيده إذا ملكه الموجفون عليه من المسلمين قبل القسم ولا بعده أرأيت لو كان أسرهم إياه وغلبتهم عليه كبيع مولاه له منهم أوهبته إياه ثم أوجف عليه ألا يكون للموجفين قال بلى قلت أفتعدو غلبة العدو عليه أن تكون ملكا فيكون كمال لهم سواء مما وهب لهم أو اشتروه أو تكون غصبا لا يملكونه عليه فإذا كانت السنة والآثار والإجماع تدل على أنه كالغصب قبل أن يقسم فكذلك ينبغي أن يكون بعد ما يقسم ألا ترى أن مسلما متأولا أو غير متأول لو أوجف على عبد ثم أخذ من يد من قهره عليه كان لمالكه الأول فإذا لم يملك مسلم على مسلم بغصب كان المشرك أولى أن لا يكون مالكا مع أنك لم تجعل المشرك مالكا ولا غير مالك قال الشافعي فقال إن هذا ليدخله ولكنا قلنا فيه بالأثر قال الشافعي رحمه الله تعالى أرأيت إن قال لك قائل هذه السنة والأثر تجامع ما قلنا وهو القياس والمعقول فكيف صرت إلى أن تأخذ بشيء دون السنة وتدع السنة وشيء من الأثر أقل من الآثار وتدع الأكثر فما حجتك فيه قال إنا قد قلنا بالسنة والآثار التي ذهبت إليها ولم يكن فيها بيان أن ذلك بعد القسمة كهو قبلها قال الشافعي رحمه الله تعالى قلت له أما فيها بيان أن العدو لو ملكوا على المسلمين ما أحرزوا من أموالهم ملكا تاما كان ذلك لمن ملك من المسلمين على المشركين دون مالكه الأول قال بلى قلت أولا يكون مملوكا لمالكه الأول بكل حال أو للعدو إذا أحرزوه فقال إن هذا ليدخل ذلك ولكن صرنا إلى الأثر وتركنا القياس قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له فهذه السنة والآثار والقياس عليها فقال قد يحتمل أن يكون حكمه قبل ما يقسم حكمه بعد ما يقسم حكمه قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له أما في قياس أو عقل فلا يجوز أن يكون هذا لو كان إلا بالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ويروي عمن دونه فليس في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة قال أفيحتمل من روى عنه قولنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ذهب عليه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أفيحتمل عندك فقال نعم فقلت فما مسألتك عن أمر تعلم أن لا مسألة فيه قال فأوجدني مثل هذا فقلت نعم وأبين قال مثل ماذا قال الشافعي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السن بخمس وقضى عمر في الضرس ببعير فكان يحتمل لذاهب لو ذهب مذهب عمر أن يقول السن ما أقبل والضرس ما أكل عليه ثم يكون هذا وجها محتملا يصح المذهب فيه فلما كانت السن داخلة في معنى الأسنان في حال فإن باينتها باسم منفرد دونها كما تباين الأسنان بأسماء تعرف بها صرنا وأنت إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة وجعلنا الأعم أولى بقول النبي صلى الله عليه وسلم من الأخص وإن احتمل الأخص من حكم كثير غير هذا نقول فيه نحن وأنت بمثل هذا قال هذا في هذا وغيره كما تقول قلت فما أحرز المشركون ثم أحرز عنهم فكان لمالكه قبل القسم ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس له بعد القسم أثر غير هذا فأحرى لا يحتمل معنى إلا أن المشركين لا يحرزون على المسلمين شيئا قال فإنا نأخذ قولنا من غير هذا الوجه إذا دخل من هذا الوجه فنأخذه من أنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم على شيء فهو له وروينا عنه أن المغيرة أسلم على مال قوم قد قتلهم وأخفاه فكان له قال الشافعي أرأيت ما رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه من أسلم على شيء فهو له أيثبت قال هو من حديثكم قلت نعم منقطع ونحن نكلمك على تثبيته فنقول لك أرأيت إن كان ثابتا أهو عام أو خاص قال فإن قلت هو عام قلت إذا نقول لك أرأيت عدوا أحرز حرا أو أم ولد أو مكاتبا أو مدبرا أو عبدا مرهونا فأسلم عليهم قال لا يكون له حر ولا أم ولد ولا شيء لا يجوز ملكه قال الشافعي رحمه الله تعالى فقلت له فتركت قولك إنه عام قال نعم وأقول من أسلم على شيء يجوز ملكه لمالكه الذي غصبه عليه قلنا فأم الولد يجوز ملكها لمالكها إلى أن يموت أفتجعل للعدو ملكها إلى موت سيدها قال لا لأن فرجها لا يحل لهم قلت إن أحللت ملك رقبتها بالغصب حين تقيم الغاصب مقام سيدها إنك لشبيه أن تحل فرجها أو ملكها وإن منعت فرجها أو رأيت إن جعلت الحديث خاصا وأخرجته من العموم أيجوز لك فيه أن تقول فيه بالخاص بغير دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي فقال فأستدل بحديث المغيرة على أن المغيرة ملك ما يجوز له تملكه فأسلم عليه فلم يخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من يده ولم يخمسه قال فقلت له الذين قتل المغيرة مشركون فإن زعمت أن حكم أموال المسلمين حكم أموال المشركين كلمناك على ذلك قال ما حكم أموال المشركين حكم أموال المسلمين وإنه ليدخل على هذا القول ما وصفت فهل تجد إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أقال من أسلم على شيء فهو له مخرجا صحيحا لا يدخل فيه شيء مثل ما دخل هذا القول قال الشافعي فقلت له نعم من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له فقال هذا جملة فأبنه فقلت له إن الله تبارك وتعالى أعز أهل دينه إلا بحقها فهي من غير أهل دينه أولى أن تكون ممنوعة أو أقوى على منعها فإذا كان المسلم لو قهر مسلما على عبد ثم ورث عن القاهر أو غلبه عليه متأول أو لص أخذه المقهور عليه بأصل ملكه الأول وكان لا يملكه مسلم بغصب فالكافر أولى أن لا يملكه بغصب وذلك أن الله جل ثناؤه خول المسلمين أنفس الكافرين المحاربين وأموالهم فيشبه والله تعالى أعلم أن يكون المشركون إن كانوا إذا قدروا عليهم وأموالهم خولا لأهل دين الله عز وجل أن لا يكون لهم أن يتخولوا من أموال أهل دين الله شيئا يقدر على إخراجه من أيديهم ولا يجوز أن يكون المتخول متخولا على ممن يتخوله إذا قدر عليه قال فما الذي يسلمون عليه فيكون لهم فقلت ما غصبه بعض المشركين بعضا ثم أسلم عليه الغاصب كان له كما أخذه المغيرة من أموال المشركين وذلك أن المشركين الغاصبين والمغصوبين لم يكونوا ممنوعي الأموال بدين الله عز وجل فلما أخذها بعضهم لبعض أو سبا بعضهم بعضا ثم أسلم السابي الآخذ للمال كان له ما أسلم عليه لأنه أسلم على ما لو ابتدأ أخذه في الإسلام كان له ولم يكن له أن يبتدئ في الإسلام أخذ شيء لمسلم فقال لي أرأيت من قال هذا القول كيف زعم في المشركين إذا أخذوا لمسلم عبدا أو مالا غيره أو أمته أو أم ولده أو مدبره أو مكاتبه أو مرهونه أو أمة جانية أو غير ذلك ثم أحرزها المسلمون فقلت هذا يكون كله لمالكه على الملك الأول وبالحال الأول قبل أن يحرزها العدو وتكون أم الولد أم ولد وإن مات سيدها عتقت بموته في بلاد الحرب أو بعد والمدبرة مدبرة ما لم يرجع فيها سيدها والعبد الجاني والأمة الجانية جانيين في رقابهما الجناية لا يغير السباء منهما شيئا وكذلك الرهن وغيره قال أفرأيت إن أحرز هذا المشركون ثم أحرزه عليهم مشركون غيرهم ثم أحرزه المسلمون ثم أحرزه المشركون عليهم قلت كيف كان هذا وتطاول فهذا قول لا يدخل بحال هو على الملك الأول وكل حادث فيه بعده لا يبطله ويدفعون إلى مالكيهم الأولين المسلمين فقلت للشافعي رحمه الله تعالى فأجب على هذا القول أرأيت إن أحرز العدو جارية رجل فوطئها المحرز لها فولدت ثم ظهر عليها المسلمون فقال هي وأولادها لمالكها فقلت فإن أسلموا عليها قال تدفع الجارية إلى مالكها ويأخذ ممن وطئها عقرها وقيمة أولادها يوم سقطوا قال الشافعي أخبرنا حاتم عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى بن عباس يسأله عن خلال فقال ابن عباس إن ناسا يقولون إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علما لم أكتب إليه فكتب نجدة إليه أما بعد فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وهل كان يضرب لهن بسهم وهل كان يقتل الصبيان ومتى ينقضي يتم اليتيم وعن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء وقد كان يغزو بهن فيداوين المرضى ويحذين من الغنيمة وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتله فتميز بين المؤمن والكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم ولعمري إن الرجل لتشيب لحيته وإنه لضعيف الأخذ ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم وكتبت تسألني عن الخمس وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه سألت الشافعي عن المسلمين إذا غزوا أهل الحرب هل يكره لهم أن يقطعوا الشجر المثمر ويخربوا منازلهم ومدائنهم ويغرقوها ويحرقوها ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم وتؤخذ أمتعتهم قال الشافعي كل ما كان مما يملكوا لا روح له فإتلافه مباح بكل وجه وكل ما زعمت أنه مباح فحلال للمسلمين فعله وغير محرم عليهم تركه وأحب إذا غزا المسمون بلاد الحرب وكانت غزاتهم غارة أو كان عدوهم كثيرا ومتحصنا ممتنعا لا يغلب عليهم أن تصير دارهم دار الإسلام ولا دار عهد يجري عليها الحكم أن يقطعوا ويحرقوا ويخربوا ما قدروا عليه من ثمارهم وشجرهم ويؤخذ متاعهم وما كان يحمل من خفيف متاعهم فقدروا عليه اخترت أن يغنموه وما لم يقدروا عليه حرقوه وغرقوه وإذا كان الأغلب عليهم أنها ستصير دار الإسلام أو دار عهد يجري عليهم الحكم اخترت لهم الكف عن أموالهم ليغنموها إن شاء الله تعالى ولا يحرم عليهم تحريقها ولا تخريبها حتى يصيروا مسلمين أو ذمة أو يصير منها في أيديهم شيء مما يحمل فينقل فلا يحل تحريق ذلك لأنه صار للمسلمين ويحرقوا ما سواه مما لا يحمل وإنما زعمت أنه لا يحرم تحريق شجرهم وعامرهم وإن طمع بهم لأنه قد يطمع بالقوم ثم يكون الأمر على غير ما عليه الطمع وإنها حرقت ولم يحرزها المسلمون وإنما زعمت أن لهم الكف عن تحريقها لأن هكذا أصل المباح وقد حرق النبي صلى الله عليه وسلم على قوم ولم يحرق على آخرين وإن حمل المسلمون شيئا من أموالهم فلم يقتسموه حتى أدركهم عدو وخافوا غلبتهم عليه فلا بأس أن يحرقوه بأن أجمعوا على ذلك وكذلك لو اقتسموه لم أر بأسا على أحد صار في يده أن يحرقه وإن كانوا يرجون منعه لم أحب أن يعجلوا بتحريقه والبيض ما لم يكن فيه فراخ من غير ذوات الأرواح بمعنى الكفار وما ذبحوا من ذوات الأرواح حتى زايله الروح بمنزلة ما لا روح له فيحرق كله إن أدركهم العدو في بلاد المشركين على ما وصفت إن شاءوا ذلك وإن شاءوا تركوه فأما ذوات الأرواح من الخيل والبقر والنحل وغيرها فلا تحرق ولا تعقر ولا تغرق إلا بما يحل به ذبحها أو في موضع ضرورة فقلت كتاب الله عز وجل ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب قرأ إلى يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم ووصفه إياه جل ثناؤه كالرضا به وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل من ألوان نخلهم فأنزل الله تبارك وتعالى رضا بما صنعوا من قطع نخيلهم ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين فرضي القطع وأباح الترك فالقطع والترك موجودان في الكتاب والسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وترك قطع نخل غيرهم وترك وممن غزا من لم يقطع نخله قال الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير قال الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير فقال قائل وهان على سراة بني لؤيحريق بالبويرة مستطير فإن قال قائل ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حرق مال بني النضير ثم ترك قيل على معنى ما أنزل الله عز وجل وقد قطع وحرق بخيبر وهي بعد النضير وحرق بالطائف وهي آخر غزاة قاتل بها وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنى قال الشافعي رحمه الله تعالى أخبرنا بعض أصحابنا عن عبدالله بن جعفر الأزهري قال سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغزو صباحا على أهل أبنى وأحرق الخلاف في التحريق قلت للشافعي رحمه الله تعالى فهل خالف ما قلت في هذا أحد فقال نعم بعض إخواننا من مفتي الشاميين فقلت إلى أي شيء ذهبوا قال إلى أنهم رووا عن أبي بكر أنه نهى أن يخرب عامر وأن يقطع شجر مثمر فيها فيما نهى عنه قلت فما الحجة عليه قال ما وصفت من الكتاب والسنة فقلت علام تعد نهي أبي بكر عن ذلك فقال الله تعالى أعلم أما الظن به فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الشام فكان على يقين منه فأمر بترك تخريب العامر وقطع المثمر ليكون للمسلمين لا لأنه رآه محرما لأنه قد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم تحريقه بالنضير وخيبر والطائف فلعلهم أنزلوه على غير ما أنزله عليه والحجة فيما أنزل الله عز وجل في صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وكل شيء في وصية أبي بكر سوى هذا فبه نأخذ ذوات الأرواح قلت للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت ما ظفر المسلمون به من ذوات الأرواح من أموال المشركين من الخيل والنحل وغيرها من الماشية فقدروا على إتلافه قبل أن يغنموه أو غنموه فأدركهم العدو فخافوا أن يستنقذوه منهم ويقووا به على المسلمين أيجوز لهم إتلافه بذبح أو عقر أو تحريق أو تغريق في شيء من الأحوال قال الشافعي رحمه الله تعالى لا يحل عندي أن يقصد قصده بشيء يتلفه إذا كان لا راكب عليه فقلت للشافعي ولم قلت وإنما هو مال من أموالهم لا يقصد قصده بالتلف قال الشافعي لفراقه ما سواه من المال لأنه ذو روح يألم بالعذاب ولا ذنب له وليس كما لا روح له يألم بالعذاب من أموالهم وقد نهى عن ذوات الأرواح أن يقتل ما قدر عليه منها إلا بالذبح لتؤكل وما امتنع بما نيل من السلاح لتؤكل وما كان منها عداء وضارا للضرورة قلت للشافعي اذكر ما وصفت فقال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتلها قال الشافعي رحمه الله تعالى فلما كان قتل ذوات الأرواح من البهائم محظورا إلا بما وصفت كان عقر الخيل والدواب التي لا ركبان عليها من المشركين داخلا في معنى الحظر خارجا من معنى المباح فلم يجز عندي أن تعقر ذوات الأرواح إلا على ما وصفت فإن قال قائل ففي ذلك غيظ المشركين وقطع لبعض قوتهم قيل له إنما ينال من غيظ المشركين بما كان غير ممنوع من أن ينال فأما الممنوع فلا يغاظ أحد بأن يأتي الغائظ له ما نهى عن إتيانه ألا ترى أنا لو سبينا نساءهم وولدانهم فأدركونا فلم نشك في إستنقاذهم إياهم منا لم يجز لنا قتلهم وقتلهم أغيظ لهم وأنكى من قتل دوابهم فإن قال قائل فقد روى أن جعفر بن أبي طالب عقر عند الحرب فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي قيل للشافعي رحمه الله تعالى أفرأيت الفارس من المشركين أللمسلم أن يعقره قال نعم إن شاء الله تعالى لأن هذه منزلة يجد السبيل بها إلى قتل من أمر بقتله فإن قال قائل فاذكر ما يشبه هذا قيل يكون له أن يرمي المشرك بالنبل والنار والمنجنيق فإذا صار أسيرا في يديه لم يكن له أن يفعل ذلك به وكان له قتله بالسيف وكذلك له أن يرمي الصيد فيقتله فإذا صار في يديه لم يقتله إلا بالذكاة التي هي أخف عليه وقد أبيح له دم المشرك بالمنجنيق وإن أصاب ذلك بعض من معهم ممن هو محظور الدم للمرء في دفعه عن نفسه عنوة أكثر من هذا فإن قال فهل في هذا خبر نعم عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه فانكسعت به وصرع عنها فجلس حنظلة على صدره وعطف ابن شعوب على حنظلة فقتله وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا نهى غيره عن مثل هذا قال الشافعي رحمه الله تعالى ولكنه إذا صار إلى أن يفارقه فارسه لم يكن له عقره في تلك الحال والله تعالى أعلم وكذلك لو كانت عليه امرأة أو صبي لا يقاتل لم يعقر إنما يعقر لمعنى أن يوصل إلى فارسه ليقتل أو ليؤسر قيل للشافعي فهل سمعت في هذا حديثا عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنما الغاية أن يوجد على شيء دلالة من كتاب أو سنة وقد وصفت لك بعض ما حضرني من ذلك فلا يزيده شيء وافقه قوة ولا يوهنه شيء خالفه وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه لا يعقر جسدا وعن عمر بن عبدالعزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت وعن قبيصة أن فرسا قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره قال الشافعي رحمه الله تعالى وأخبرنا من سمع هشام بن الغازي يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة قيل للشافعي أفرايت ما أدرك معهم من أموال المشركين من ذوات الأرواح قال لا تعقروا منه شيئا إلا أن تذبحوه لتأكلوا كما وصفت بدلالة السنة وأما ما فارق ذوات الأرواح فيصنعون فيما خافوا أن يستنقذ من أيديهم فيه ما شاءوا من تحريق وكسر وتغريق وغيره قلت أو يدعون أولادهم ونساءهم ودوابهم فقال نعم إذا لم يقدروا على استنقاذهم منهم فقلت للشافعي أفرأيت إن كان السبي والمتاع قسم قال كل رجل صار له من ذلك شيء فهو مسلط على ماله ويدع ذوات الأرواح إن لم يقو على سوقها وعلى منعها ويصنع في غير ذوات الأرواح ما شاء فقلت للشافعي أفرأيت الإمام إذا أحرز ما يحمل من المتاع فحرقه في بلاد الشرك وهو يقاتل أو حرقه عند إدراك المشركين له وخوفه أن يستنقذوه قبل أن يقسم وبعد ما قسم فقال كل ذلك في الحكم سواء إن أحرقه بإذن من معه حل له ولم يضمن لهم سواه ويعزل الخمس لأهله فإن سلم به دفعه إليهم خاصة وإن لم يسلم به لم يكن عليه شيء ومتى حرقه بغير إذنهم ضمنه لهم إن شاءوا وكذلك رجل من المسلمين إن حرقه يضمن ما حرق منه إن حرقه بعد أن يحوزه المسلمون فأما إذا أحرقه قبل أن يحرز فلا ضمان عليه السبي يقتل قال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أسر المشركون فصاروا في يد الإمام ففيهم حكمان أما الرجال البالغون فللإمام إن شاء أن يقتلهم أو بعضهم أو يمن عليهم أو على بعضهم ولا ضمان عليه فيما صنع من ذلك أسرتهم العامة أو أحد أو نزلوا على حكمهم أو وال هو أسرهم قال الشافعي ولا ينبغي له أن يقتلهم إلا على النظر للمسلمين من تقوية دين الله عز وجل وتوهين عدوه وغيظهم وقتلهم بكل حال مباح ولا ينبغي له ان يمن عليهم إلا بأن يكون يرى له سببا ممن من عليه يرجو إسلامه أو كفه المشركين أو تخذيلهم عن المسلمين أو ترهيبهم بأي وجه ما كان وإن فعل على غير هذا المعنى كرهت له ولا يضمن شيئا وكذلك له أن يفادى بهم المسلمين إذا كان له المن بلا مفاداة فالمفاداة أولى أن تكون له قال الشافعي رحمه الله ومن أرق منهم أو أخذ منه فدية فهوكالمال الذي غنمه المسلمون يقسم بينهم ويخمس قال الشافعي رحمه الله تعالى ودون البالغين من الرجال والنساء إذا أسروا بأي وجه ما كان الإسار فهم ك
الأم_أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي
0 comments:
Post a Comment